فصل: الحادية عشرة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الإنافة فيما جاء في الصدقة والضيافة (نسخة منقحة)



.مسائل تتعلق بصدقة التطوع:

.الأولى:

ينبغي أن يواظب عليها كل وقت، وإن قلت.
وتعبيرهم باليوم في قولهم: ليس للراغب في الخيرات أن يخلي يوما من الأيام من الصدقة بشيء وإن قل، للأخبار الصحيحة، لم يريدوا باليوم فيه التقييد، وإنما أرادوا أن هذا أدنى الكمال، وإلا فالأكمل ألا يخلى وقتا منها، وإن قلت كما عبرت.

.الثانية: إسرارها أفضل من إظهارها:

لقوله تعالى: «وَإِن تُفوها وَتُؤتوها الفُقَراءَ فَهُوَ خَيرٌ لَكُم».
ولأنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم عد كما مر من جملة السبعة الذين يستظلون بالعرش، يوم لا ظل إلا ظله.
من أخفى صدقته حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، نعم الوجه وفاقا للغزالي وغيره إن أظهرها ولم يقصد رياء ولا سمعة، وإنما قصد أن يقتدى به، ولم يتأذ به الآخذ بالإظهار، كان الإظهار أفضل، لما فيه من المصلحة، فإن اختل شرط من ذلك، فالإسرار أفضل، لما فيه من المصلحة، فإن اختل شرط من ذلك، فالإسرار أفضل إلا عند قصد نحو الرياء فإنه حرام.
هذا حكم صدقة التطوع، أما الزكاة فالأولى للإمام إظهارها مطلقا. قال في المجموع: ومثله المالك إجماعا، ولكن استثنى منه الماوردي في الباطنة إظهارها للإقتداء به فإنه أفضل، نظير ما مر قريبا.
وينبغي للآخذ أن ينظر لما يحبه المعطي، فإن أحب الإسرار أظهر، وإلا أسر مبالغة في الثناء عليه في الأول ومعاملة له بنقيض قصده الناقص في المثاني.

.الثالثة:

قال الشافعي والأصحاب يستحب الإكثار من الصدقة في رمضان لا سيما في عشرة الأواخر فهي أفضل منها فيما يأتي لأنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم كان أجود ما يكون في رمضان، ولأنه سيد الشهور وأفضلها، لأن الناس يشتغلون به عن المكاسب بالصيام وإكثار الطاعات فتكون الحاجة فيه أشد.
قال الماوردي: ويستحب أن يوسع فيه على عياله، ويحسن إلى ذوي أرحامه وجيرانه لا سيما في العشر الأواخر.
قال أصحابنا: ويستحب الإكثار من الصدقة عند الأمور المهمة، وعند الكسوف والسفر بمكة والمدينة وبيت المقدس، وفي الغزو والحج لأنها أرجة لفضائلها، والأوقات الفاضلة كعشر ذي الحجة، وايام العيد، ونحو ذلك.
ففي كل هذه المواضع هن آكد من غيرها، ويتأكد أيضا عند نحو المرض والكسوف والسفر.
وظاهر كلام الحليمي أنه يسن تأخير الصدقة إلى رمضان، ونحوه مما ذكر وعبارته: وإذا تصدق في وقت دون وقت تحرى بصدقته من الأيام يوم الجمعة، ومن الشهور رمضان. انتهت.
لكن خالفه الأذرعي والزركشي فقالا: ليس المراد أن من قصد التصدق في غير الأوقات والأماكن المذكورة يسن تأخيره إليها، بل المراد أن التصدق فيها أعظم أدرا منه في غيرها غالبا. انتهى.
وما قال هو المستحب لما في التأخير من خطر احتمال التلف بالموت وشح بالمتصدق به.
ومرادهم بما ذكر أن من كان بالأماكن الفاضلة أو أدرك الأوقات الفاضلة ينبغي له أن يدرك وسعه في الصدقة فيهان ولا يؤخر شيئا مما يريد التصدق به في غيرها إلا لعذر مما يأتي.

.الرابعة:

أجمعت الأمة أن الصدقة على الأقارب أفضل منها على الأجانب والأحاديث في المسالة كثيرة شهيرة وقد مر منها جملة مستكثرة، من ذلك حديث الصحيحين: «أن زينب امرأة ابن مسعود وامرأة أخرى أتتا رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، فقالتا لبلال: سل لنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: أيجزى عنا من الصدقة النفقة على أزواجنا وأيتام في حجورنا، هل يجزىء ذلك عنهما من الصدقة؟ يعني النفقة عليهم، فقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: لهم أجر القرابة وأجر الصدقة».
في الصحيحين أيضا عن «ميمونة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها: أنها أعتقت وليدة لها، فقال لها صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: لو أعطيتها أخوالك كان أعظم لأجرك».
وصح حديث: «صنائع المعروف تقي مصارع السوء». و«صدقة السر تطفىء غضب الرب»، و«صلة الرحم تزيد في العمر».
ومعنى الزيادة فيه كما مر البركة فيه، بالتوفيق للخير، والحفظ من الشر، فيتيسر له من العمل في المدة القليلة ما لم يتيسر لغيره في المدة الطويلة، أو هي زيادة حقيقة بالنسبة للوح المحفوظ، وإن كانت ليست زيادة لما في أم الكتاب وهي علم الله القديم، الذي لا يقبل التبديل والتغيير.
وهنا معنى القول بأنها زيادة بالنسبة إلى ما يظهر للملائكة بأن يقال لهم عمر فلان إن لم يصل رحمه خمسون سنة، فإن وصله فستون، إلا إلى ما عند الله، فإنه تعالى يعلم الواقع من الصلة، وأنه يعيش الستين أو من عدمها، وأنه لا يعيش إلا خمسين.
قال أصحابنا: ولا فرق في استحباب صدقة التطوع على الغريب وتقديمه على الأجنبي، بين أن يكون الغريب ممن تلزمه نفقته؟ أو غيره وعبارة البغوي: دفعها إلى قريب تلزمه نفقته أفضل من دفعها إلى الأجنبي.
قال أصحابنا: ويستحب تخصيص الأقارب على الأجانب بالزكاة حيث يجوز دفعها إليهم كما قلنا في صدقة التطوع، فلا فرق بينهما، وهكذا الكفارات والنذور والوصايا والأوفاق وسائر جهات البر، يستحب تقديم الأقارب فيها، حيث يكون بصفة الإستحقاق.
قال أبو علي الطبري والسرخسي وغيرهما من أصحابنا: يستحب أن يقصد بصدقته من أقاربه اشدهم له عداوة، ليتألف قلبه، ويرده إلى المحبة والألفة، ولما فيه من مجانبة الرياء. وحظوظ النفوس ومنه يؤخذ أن الأشد عداوة من الأجانب أولى من غيرهم، ومر حديث «أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح» أي العدو، وصح أن الصدقة على المسكين صدقة، وعلى ذي الرحم اثنتان؛ صدقة وصلة، وإذا استوى الأقارب في الصدقة والعداوة فالأفضل تقديم الأقرب، فالأقرب من المحارم وإن لزمه نفقتهم كما مر؛ وفي ترتيبهم الزوج والزوجة، ثم الأقرب فالأقرب من ذوي الأرحام ثم ذوي الولاء من الجانبين ثم من جانب، ويقدم ذوي الولاء من أعلى، على ذوي الولاء من أسفل، كما بحثه الأذرعي، وإن جعلهم الشيخان وغيرهما في مرتبة واحدة، ويستثنى مما ذكر الجار ولو أجنبيا، فصرفها غليه أفضل منه إلى بعيد، ولو كان قريبا، لكن بشرط أن يكون دار القريب بمحل لا يجوز نقل زكاة المتصدق إليه، والأقدم القريب وإن بعدت داره على الجار الأجنبي وإن قربت داره، وأهل الخير والمحتاجون أولى من غيرهم بقرابة أو جوار، وظاهر أن أهل الحاجة أولى من أهل الإصلاح.

.الخامسة:

قال أصحابنا وغيرهم: يستحب أن يتصدق بما يتيسر، ولا يستقله، ولا يمتنع من الصدقة لقلته وحقارته، فإن قليل الخير كثير عند الله تعالى، وما قبله سبحانه وبارك فيه غير قليل.
ومرت الأحاديث الكثيرة في الترغيب في الصدقة ولو بشق تمرة، أو فرسن شاة وهو من البعير، والشاة كالحافر من غيرها.

.السادسة:

يستحب أن يخص بصدقته الصلحاء وأهل الخير وأهل المروءات والحاجات كما مر، فلو تصدق على كافر ولو حربيا أو فاسق لم يعدم الثواب، لقوله تعالى: {مِسكيناً وَيَتيماً وَأَسيراً} والأسير هو الحربي.
ومر خبر الرجل الذي قال: «لأتصدقن الليلة بصدقة ففعل فوقعت في يد زانية، فلما علم تصدق في ليلة أخرى، فوقعت في يد غني، فلما علم، تصدق في ليلة أخرى فوقعت في يد سارق، فقيل له: لعل الزانية تستعفف والغني يعتبر فيتصدق، والسارق يستعف بها عن سرقة». رواه الشيخان، وروي أيضا: «أن رجلا اشتد عليه العطش، فرأى بئرا فشرب منها، ثم رأى كلبا يأكل الثرى من العطش، فقال: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان قد بلغ مني، فنزل البئر، فملأ الخف ماء ثم أمسكه بفيه حتى رقي فسقى الكلب، فشكر الله له، فغفر له، قالوا: يا رسول الله: إن لنا في البهائم أجرا؟ قال: في كل كبدن رطبة أجر».
وروي «بينما كلب يطيف بركية» أي بئر «قد كاد يقتله العطش، إذ رأته بغي من بغايا بني إسرائيل، فنزعت موقها» أي خفها «فاستقت له به فسقته إياه فغفر لها به».
ويستحب دفع الصدقة بطيب نفس، وبشاشة وجه، ويحرم المن بها، بطل ثوابه.
قال الله تعالى: {لا تُبطِلوا صَدَقاتِكُم بِِالمَنِّ وَالأَذى}.
وروى مسلم: أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال: «ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم، فقرأها رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ثلاث مرات، قال أبو ذر وخسروا، من هم يا رسول الله، قال المسبل أي لإزاره عن كعبيه خيلاء، والمنان، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب». قال في الإحياء: واختلفوا في حقيقة المن والأذى، فقيل المن أن يظهرها، والأذى أن يذكرها.
وقال سفيان: المن هو أن يذكرها ويتحدث بها.
وقيل هو أن يستخدمه بالعطاء، والأذى ان يعيره بالفقر.
وقيل هو أن يتكبر عليه لأجل عطائه؛ والأذى أن ينتهره أو يوبخه بالمسالة ثم اختار أن حقيقة المن أن يرى نفسه محسنا إليه، ومنعما عليه، وثمرته التحدث بما أعطاه، وإظهار طلبه المكافآت منه بالشكر، والدعاء، والخدمة، والتوقير، والتعظيم، والقيام بالحقوق، والتقديم في المجالس، والمتابعة في الأمور.
وإن الأذى هو التوبيخ والتغيير، وتخشين الكلام، وتقطيب الوجه. ومنبعه: كراهة البذل الموجب لضيق الخلق، ورؤيته أنه خير من الفقير. قال واستعظام العطية إعجاب بها وهو محبط بالعمل، أي فهو عنده كالمن به.

.السابعة:

يستحب أن يتصدق من كسب يده لقوله تعالى: {أَنفِقوا مِن طيباتِ ما كَسِبتُم}.
وللأحاديث السابقة في ذلك.

.الثامنة:

قال الإمام الرازي يسن التسمية عند الدفع لأنه عبادة.

.التاسعة:

قال الحليمي يسن أن يعطي لله فإن نوى شكر نعمته أو دفع نقمته لم يضر.
وقال الماوردي: إنما يكون على الغنى صدقة، إذا قصد بها وجه الله، وابتغاء ثوابه، فإن قصد الإمتنان والملاحظة خرجت من الصدقة إلى الهبة.

.العاشرة يستحب أن يتحرى التصدق بالماء:

فقد جاءت أحاديث كثيرة في الحث على سقيه، منها الحديثان السابقان.
ومنها أحمد عن الحسن البصري عن سعد بن عبادة: أن أمه ماتت، فقال لرسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلمك «إن أمي ماتت فأتصدق عنها؟ قال: نعم، قال: فأي الصدقة؟ أفضل؟ قال: سقي الماء». وهو مرسل لأن الحسن لم يدرك سعدا.
ورواه أبو داود عن رجل لم يسم عن سعد بمعناه: «قال: فأي الصدقة أفضل؟ قال: الماء».
ورواه النسائي عن سعيد بن المسيب عن سعد ولم يدركه فهو مرسل أيضا، لكنه اعتضد بالحديثين الصحيحين السابقين، وبأن مراسيل سعيد بن المسيب يعلم بها وإن لم تعتضد، لأنها فتشت فوجدت منقولة، على أن المرسل يعمل به في الفضائل، وإن لم يعتضد.
ومر في الكلام على الأحاديث، حمل حديث أفضلية الصدقة بالماء على غيرها على محل الإحتياج فيه للماء أكثر منه إلى الطعام، وإلا فالتصدق بالطعام أفضل.

.الحادية عشرة:

تسن المنيحة وهو أن يكون له ناقة أو بقرة أو شاة ذات لبن فيدفعها إلى من يشرب لبنها مدة، ثم يردها إليه للأحاديث الصحيحة الكثيرة السابقة.

.الثانية عشرة:

يكره تعمد الصدقة بالرديء إذا وجد غيره قال الله تعالى: {وَلا تَيَمَّموا الخَبيثَ مِنهُ تُنفِقونَ}.
ويسن تعمد أجود ماله وأحبه إليه؛ قال الله تعالى: «لَن تَنالوا البِرَّ حَتَّى تُنفِقوا مِمَّا تُحِبون».
وفي المسالة أحاديث كثيرة صحيحة تقدم بعضها.
وورد: «من لبس ثوبا جديدا، ثم عمد إلى ثوبه الذي أخلق فتصدق به، لم يزل في حفظ الله حيا وميتا».
وليس هنا تصدقا بالرديءن بل هو مما يحب، فهو كالتصدق بالفلوس دون الفضة.

.الثالثة عشرة:

قال أصحابنا يكره التصدق بما فيه شبهة أي للأحاديث الكثيرة الصحيحة الشهيرة، وقد قدمت منها حديث الشيخين: «من تصدق بعدل تمرة، من كسب طيب، ولا يقبل الله إلا الطيب، فإن الله يقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها، كما يربي أحدكم فلوه، حتى تكون مثل الجبل».
والفلو بضم الفاء وبضم اللامن وتشديد الواو، ويقال بكسر الفاء وإسكان اللامن هو ولد الفرس في صغره.
ومنها حديث مسلم: «أيها الناس {إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين} قال الله عز وجل: {يا أَيُّها الرُسُلُ كُلوا مِنَ الطِّيِِباتِ وَاعمَلوا صالِحاً إِنَّي بِما تَعمَلونَ عَليمٌ} وقال تعالى: {يا أَيُّها الَّذَينَ آَمَنوا كُلوا مِنَ طَيبِّاتِ ما رَزَقناكُم} ثم ذكر الرجل السفر أغبر يمد يديه إلى السماء، يا رب: يا رب، ومطعمه حرامه، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك».

.الرابعة عشرة:

قال الجرجاني من أصحابنا يستحب الصدقة بعد كل معصية. انتهى.
ومنه الصدقة في واطىء الحائض بدينار لمن وطىء، ومن إقبال الدم وقوته وبنصف لمن وطيء زمن إدباره وضعفه، والتصدق بدينار لمن فاتته الجمعة.

.الخامسة عشرة:

قال الحليمي: من أكابر أصحابنا يستحب للمتصدق أن يعطي الصدقة للفقير من يده. انتهى. وينبغي في محله إذا لم يتأذ الفقير بذلك، لكونه مثلا يعلم منه بالقرائن أنه يحب ألا يطلع ذلك المتصدق على حاله.